تقع تطوان في الناحية الشماليّة الغربيّة من المغرب، وبالضبط في سفح جبل اسمه جبل درْسة، وهذا الجبل من سلسلة جبال قبيلة الحوز المتصلة بقبيلة أنجرة التي بها مدينة سبتة، وتقع شمال تطوان في مدخل بوغاز جبل طارق، وجبل درسة تنفجر منه عيون يجري ماؤها العذب إلى داخل مساجد تطوان وديارها وقنواتها فيشرب منه الناس والحيوانات، وتسقى منه الزروع والبساتين، وتبعد تطوان عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط بنحو عشرة كيلومترات، وهذا البحر يقع في الجهة الشرقية منها ، كما تحدّها من الناحية الشمالية الغربية مدينة طنجة وتفصل بينهما مسافة 65 كيلومتراً، وهذا التموقع الجغرافي للمجال ناطق عن معطيات ثقافية واجتماعية خِصبة ومتنوعة بأطيافها المتعددة، تحكيها مباني المدينة وأنشطتها في سيرورتها التاريخية بأشكالها الهندسية وأسمائها البربرية والعربية والإسبانية.
إن اسم تطوان غير عربي لأنه لا معنى له في اللغة العربية بل هو أمازيغي، وقد وقع اختلاف في صيغته ومعناه عند المؤرخين، ويمكن الرجوع في هذا الموضوع لكلام ستة من الباحثين المغاربة نذكرهم على حسب تاريخ وجودهم وهم: الحسن الوزاني الأندلسي المغربي المعروف بليون الإفريقي، أبو علي الحسن اليوسي، وصاحب المخطوط التطواني وهو من تطوان، والناصري صاحب الإستقصا، والمؤرخان التطوانيان، أبو محمد السكيرج وأبو العباس الرهوني وخلاصة قراءة محمد داوود لهذه المصادر حول اسم تطوان تتكون من ثلاث نقط أساسية:
أولا؛ أنه غير عربي بل هو بربري.
ثانيا؛ أن معناه له علاقة بالعيون، إما العيون الجارية بالماء، وإما العيون المبصرة.
ثالثا؛ أن أصله مكون من حروف ت.ط.ا.و.ن. ثم تختلف لهجة النطق.. ويمكن إجمالها في سبعة لهجات. يُظهر مدلول الإسم العيون الساهرة أو عيون الماء كمصدر لحياة مكونات المجال بوصفه هوية يجب الدفاع عنها، هذه الهوية (الحضرية إجرائيا) لم تأتي عبر التدرج من القرية إلى المدينة بل ولدت تطوان أساسا مدينة.
يعود تاريخ المدينة إلى أكثر من ثلاثة قرون قبل الميلاد. وقد بناها قُدامى الأفارقة، وتعرّضت للدمار الشامل في أعقاب أحداث ثورة إيديمون، وتمّ تشييد أسوار ما زالت قائمةً إلى الآن (موقع مدينة تمودة الأثري)، وقد ذكر الناصري أن بناءها كان من طرف السلطان أبي ثابت المريني سنة 708ه/1307م لنزول عسكره للأخذ بمخنق سبتة، ومنذ ذلك الحين وتطوان _ بالأخص بعد تجديدها على يد القائد الغرناطي علي المنظري بعد أن سقطت الأندلس تحت استعمار القشتالييّن سنة 888ه/1483م _ تبحث عن ديناميات تبرز حركيتها ونشاطها، كما تساهم في نفس الوقت في انقلاب الأدوار بينها وبين المحيط القبلي. ولقد ساعدها في ذلك على الخصوص عاملان رئيسيان هما السيادة الأندلسية وصيرورة التتجير، إذ يمكن إجمال حدود العلاقة بين المدينة وجْبالة على الشكل التالي: تاريخيا تشهد التحولات الإجتماعية والسياسية الكبرى على تأرجح الأدوار بين القبائل المجاورة والمدينة. فهناك فترات شكلت إرهاصا على انشداد المدينة للأحواز المجاورة لها اقتصاديا واجتماعيا، وفترات أخرى تحولت إلى مركز استقطاب وجاذبية وإشعاع بالنسبة للقرية. أما النقطة الثانية فإن مجيء الأندلسيين ومحاولات التجديد التي قام بها المنظري الغرناطي، سوف تطرح إمكانيات إبرام تحالفات جديدة بالنسبة للفئات الحضرية التطوانية. حيث شرعت انطلاقا من خوفها التاريخي من رجال القبائل، في نسج تمايزاتها الثقافية التي تجلت في التاريخ والأدب الشعري والمقامي، وقامت بإرساء سيطرتها الاقتصادية على الجماعات والمجالات المحيطة بها عبر استحواذها على العمليات التجارية بشكل عام سوف يؤدي ذلك بعد حرب تطوان 1860م، إلى إرساء روابط عضوية متينة بين مختلف الفئات الحضرية المثقفة، باعتبارها إعانات ومساندات عمودية، تجمع بين سكان المدن أكثر مما تجمع بين هذه الأخيرة وضواحيها وهذا ما يجعل تطوان المدينة والحضارة التي تروي فصول التعايش والتناغم الثقافي ويتم تصنيفها من قبل اليونيسكو سنة 1997 كتراث عالمي يجب المحافظة عليه.
عبدالرحمن بوزكري
4 Comments
Thank you very much. Good luck too
Excellent post. I definitely appreciate this website. Thanks!
Thanks a lot
Id like to thank you for the efforts youve put in penning this site. I am hoping to check out the same high-grade content from you in the future as well. In fact, your creative writing abilities has encouraged me to get my own site now 😉